كتب :عبدالله ناصر ادم
رواية - أجنحة الورق
الفصل الاول. رسائل غير متوقعه.
في قلب مدينة نيويورك النابضة بالحياة، حيث تتشابك الأضواء الصاخبة مع أصوات السيارات التي لا تتوقف، جلست حور في زاوية هادئة من مقهى صغير يعرفه فقط القليلون. كان المقهى يطل على شارع صغير مغطى بأوراق الخريف الذابلة، مما أضفى لمسة من السحر على المشهد. حور، بعيونها الكبيرة التي تعكس عمق التفكير وابتسامتها الخجولة التي توحي بمرور الكثير من المشاعر في داخلها، كانت تستمتع بلحظات هادئة تتناول فنجان قهوتها الدافئ.
كانت حور واحدة من أبرز كاتبات القصص القصيرة في عصرها. كتبها، التي نالت إعجاب النقاد والقراء على حد سواء، كانت تحمل لمسة من الخيال الواقعي الذي يخطف الأنفاس. لكن رغم النجاح الذي حققته، كانت تشعر دائمًا بفراغ عميق، فراغ لم تستطع ملؤه جوائز الأدب أو تألق الحفلات الأدبية. كانت تتوق إلى نوع من الصدق البسيط الذي لا يمكن العثور عليه في عالم الشهرة الذي تعيش فيه.
بينما كانت تأخذ رشفة من قهوتها وتغوص في أفكارها حول قصتها القادمة، دخلت النادلة حاملة رسالة ورقية ملونة بألوان دافئة. كانت الرسالة تحمل طابعًا بريديًا قديمًا، وتبدو كأنها قادمة من زمن آخر. فتحت حور الرسالة بفضول، وعندما بدأت في القراءة، شعرت بوقع الكلمات وكأنها كانت تتحدث مباشرة إلى أعماق روحها.
"عزيزتي حور،
لا أعرف إن كانت رسالتي ستصل إليك، لكنني شعرت برغبة قوية في الكتابة لك. اسمي يوسف، أعيش في جزيرة نائية بعيدًا عن كل ما هو مألوف. قرأت إحدى قصصك التي وصلت إليّ بطريقة ما، ووجدت فيها شيئًا يتحدث إليّ مباشرة. أردت أن أخبرك إن كلماتك كانت بمثابة ضوء في هذا الظلام الذي أعيش فيه."
توقفت أنفاس حور للحظة وهي تقرأ هذه الكلمات. كان هناك شيء صادق وعميق في تلك الرسالة، شيء لم تشعر به منذ وقت طويل. وجدت في كلمات يوسف تأكيدًا لبحثها عن عمقٍ أعمق من مجرد كلمات على الورق. كانت الرسالة كأنها مفتاح لبوابة جديدة في عالمها الداخلي، كأنها تتفتح لألوان جديدة لم تكن تعرف بوجودها.
"أعلم أنني مجرد رجل غريب يعيش في مكان بعيد، ولكنني شعرت بضرورة التعبير عن امتناني لك. آمل ألا تكون هذه الرسالة مصدر إزعاج لك."
مع أطيب التمنيات،
يوسف
وضعت حور الرسالة جانبًا وهي تشعر بمزيج من الدهشة والفضول. من هو هذا الرجل الذي يعيش في جزيرة نائية؟ لماذا يشعر بهذه الحاجة للتواصل معها عبر هذه الرسائل القديمة؟ ولماذا لم يستخدم وسائل التواصل الحديثة التي تتوفر للجميع؟ كانت هناك علامات استفهام كبيرة، لكنها لم تستطع إنكار شعورها بالراحة التي تركتها الرسالة في قلبها. كانت الرسالة بمثابة نغمة هادئة في لحن حياة مليء بالضوضاء.
أخذت حور نفسًا عميقًا، وبدأت تخط رسالة رداً على يوسف. في تلك اللحظة، كانت تشعر بأن الكلمات التي ستكتبها ستكون أكثر من مجرد رد على رسالة، بل ستكون بداية لشيء لم تتخيله قط. كان هناك شعور بأن هذه الرسائل قد تكون الجسر الذي يربط بين عوالمهم المختلفة، وربما بداية لقصة جديدة ستغير حياتها إلى الأبد.